بقلم سامر حسن، محلل أول لأسواق المال في XS.com
يواصل الذهب مكاسبه التاريخية لليوم الثاني ويتجاوز لأول مرة مستوى 2800 دولاراً للأونصة في المعاملات الفورية ومستوى 2860 في العقود الآجلة المستمرة في بورصة COMEX.
مكاسب الذهب تأتي وسط تفاقم حالة عدم اليقين تجاه مسار الاقتصاد الأمريكي والعالمي والحرب التجارية المرتقبة والتوتر الجيوسياسي المحتمل مع الصين.
حيث نقترب من رؤية أول فصول الحرب التجارية ما بين الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب والعالم مع بدء فرض التعرفات الجمركية غداً. في حين لا يزال عدم اليقين يغيم على هذا الملف بالغ الأهمية سواء حول حجم التعرفات ونطاقها في نهاية المطاف أم الأثر المتوقع في الاقتصاد الأمريكي والعالمي. فيما يبدو أن المفاوضات لم تتوقف ما بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك حول نطاق السلع التي ستشملها التعرفات الجمركية وفق وول ستريت جورنال والتي تحدثت أيضاً عن مخاوف أصحاب الأعمال حول اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار.
عدم اليقين تجاه مستقبل التجارة العالمية في عهد ترامب وأثرها المحتمل يساهم في إشعال الطلب على الذهب من قبل الولايات المتحدة بدافع التحوط. فبحسب الأرقام التي نقلتها رويترز، فقد ارتفعت صادرات الذهب من سويسرا إلى الولايات المتحدة في ديسمبر إلى أعلى مستوى منذ مارس من العام 2022 – تالياً للحرب على أوكرانيا – وذلك عند 64.2 طناً وهذا ما يعادل 20 ضعفاً مما سجلت ديسمبر من العام 2023.
جانب آخر لعدم اليقين هو التصاعد المحتمل للتوتر ما بين الولايات المتحدة والصين ليس فقط من باب الحرب التجارية وإنما النزاع بشأن المصالح الاستراتيجية في بنما. كان قد هدد ترامب في حملته الانتخابية باستعادة السيادة على القناة الملاحية فائقة الأهمية. في حين قد كرر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو تهديدات ترامب الأمس وقال بأنه خلال أربعة أعوام من الأن ستكون مصالح الولايات المتحدة في قناة بنما مؤمنة أكثر وبأن نية ترامب للسيطرة على القناة تأتي من مخاوف الأمن القومي جراء إمكانية تحكم الصين في أنشطة القناة، وذلك وفقاً لما قاله في مقابلة مع SiriusXM.
إذا، الولايات المتحدة في الأربعة سنوات هذه في صدام لا نعلم مساره إلى الأن مع الصين حول قناة بنما والشروط التجارية وتايوان، وعدم اليقين تجاه هذا التوتر بين القطبين من شأنه يكون عاملاً يغذي الطلب على الملاذات الآمنة ومن أبرزها الذهب.
أضف إلى ذلك، يشهد الداخلي الأمريكي حالة من عدم اليقين أيضاً كان قد بثها تعليق ترامب لجميع المساعدات المالية الفيدرالية. حيث قد أثار القرار ارتباكاً واسع النطاق مع الخطر الذي يتعرض له آلاف البرامج التي تفيد الأسر في الولايات المتحدة وقد يتسبب بضرر للولايات والحكومات المحلية التي تعتمد على مليارات الدولارات من القروض والمنح الفيدرالية إضافة إلى المخاوف في قطاعات التكنولوجيا والرهن العقاري والصحة والبنية التحتية والطاقة، وفقاً لـPolitico .
مكاسب الذهب تأتي أيضاً حتى بعد خطاب جيروم باول بعد إعلان الاحتياطي الفيدرالي عن تثبيت أسعار الفائدة. في حين أن الخطاب حمل نبرة لا تزال متشددة وتعكس تريث صناع السياسة النقدية بشأن وتيرة خفض المعدلات، إلا أنه لم يغير على نحو جوهري من التوقعات السابقة حول عدم إمكانية تحقيق خفض للمعدلات قبل يونيو المقبل. هذا ما قد أفسح المجال للذهب لاستكمال المكاسب ذلك أن تسارع التضخم مجدداً في ديسمبر الفائت وعدم اليقين تجاه ضغوط الأسعار لم تتسبب بمفاجئات سلبية في خطاب باول.
إلا أن بقاء معدلات الفائدة مرتفعة مطولاً قد يتقاطع أيضاً مع الأداء الاقتصادي المتأرجح في الولايات المتحدة بما قد يهدد الصورة المرنة للاقتصاد في وجه الظروف النقدية المتشددة وهذا ما قد يتسبب بالمزيد من البريق للذهب كملاذ آمن. حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي تباطؤاً غير متوقع في الربع الأخير من العام الفائت إلى 2.3% مقارنة مع 3.1% في الربع الذي سبقه في البيانات التي نشرت الأمس إضافة إلى انكماش حاد وغير متوقع لمبيعات المنازل المعلقة في ديسمبر بنسبة 5.5% على أساس شهري.
هذه الأرقام تضاف إلى سلسلة من الأرقام الأضعف من المتوقع للناتج المحلي الإجمالي في منقطة اليورو وكبرى اقتصاداتها من ألمانيا وفرنسا والتي غاب عنها النمو في الربع الرابع من العام الفائت، وهي تغذي بدورها حالة عدم اليقين تجاه مستقبل الاقتصادي العالمي الذي يواجه التصعيد التجاري والجيوسياسي ذو الأفق غير القرب للتسوية.