الدورة الإقتصادية الدورة الإقتصادية
كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
يتحرك الذهب في نطاق ضيق وسط إشارات متباينة من الأسواق، مما يعكس حالة من الترقب الحذر بين المستثمرين. وعلى الرغم من اقترابه من أعلى مستوياته القياسية عند 2840 دولار اليوم الثلاثاء، فإن ارتفاع عائدات السندات الأمريكية وصعود الدولار الأمريكي يحدان من قدرته على تحقيق مكاسب جديدة. ومع ذلك، أعتقد إن المخاوف بشأن التداعيات الاقتصادية المحتملة للرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توفر دعمًا قويًا للذهب باعتباره ملاذًا آمنًا. وفي ظل هذه الظروف، يبقى السؤال الرئيسي: هل يستطيع الذهب اختراق مستوياته القياسية مجددًا، أم أن الضغوط الاقتصادية ستفرض عليه التراجع؟
من وجهة نظري، يعتبر القرار الأخير لترامب بتعليق الرسوم الجمركية على المكسيك وكندا بعد التوصل إلى اتفاق بشأن أمن الحدود تعزيز لثقة المستثمرين في الأسواق المالية التقليدية، مما أدى إلى ارتفاع طفيف في شهية المخاطرة. وهذا التدفق نحو الأصول الأكثر خطورة يضغط على الذهب، حيث يقلل من جاذبيته كملاذ آمن. وفي نفس الوقت، أرى موقف بنك الاحتياطي الفيدرالي الأكثر تشددًا قد ساعد في ارتفاع عائدات السندات الأمريكية، مما يدعم الدولار ويفرض ضغوطًا سلبية إضافية على أسعار الذهب. غير أن هذه العوامل السلبية لا تزال تواجه مقاومة من العوامل الداعمة للمعدن الأصفر، ولا سيما المخاوف التضخمية المرتبطة بالسياسات الحمائية لترامب.
ورغم الضغوط التي يتعرض لها، فإن الذهب يظل مدعومًا بمخاوف التضخم المتزايدة. سياسات ترامب التجارية، التي تتضمن فرض رسوم جمركية جديدة، وأتوقع أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار الواردات، مما قد يترجم إلى تضخم أعلى في الولايات المتحدة. وفي مثل هذه الأوضاع، يلجأ المستثمرون عادةً إلى الذهب كوسيلة للتحوط ضد فقدان القوة الشرائية للدولار. كما إن ارتفاع التضخم قد يقلل من احتمالية إقدام الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة، مما يجعل بيئة الاستثمار في الأصول غير المدرة للعائد مثل الذهب أكثر جاذبية.
وبالنسبة لي، تشير البيانات الاقتصادية الأخيرة إلى استمرار زخم الاقتصاد الأمريكي، حيث ارتفع مؤشر مديري المشتريات التصنيعي التابع لمعهد إدارة التوريدات (ISM) إلى 50.9 في يناير، متجاوزًا التوقعات. كما ارتفع مؤشر التضخم، إلى 54.9، مما يعزز القلق بشأن ضغوط الأسعار المستقبلية. وهذه البيانات قد تؤدي إلى تثبيت أو حتى رفع أسعار الفائدة على المدى المتوسط، وهو ما قد يؤثر سلبًا على الذهب. ومع ذلك، فإن أي إشارات على ضعف الاقتصاد أو ارتفاع المخاطر الجيوسياسية قد تبقي الذهب في مسار صعودي.
وفي ظل هذه المعطيات، يبدو أن مسار الذهب لا يزال مرهونًا بمزيج من العوامل الاقتصادية والسياسية. ورغم أن تعليق الرسوم الجمركية على المكسيك وكندا قد حد مؤقتًا من شهية المستثمرين للمعدن النفيس، فإن استمرار التهديدات التجارية الأمريكية، إلى جانب ارتفاع التضخم المحتمل، قد يعزز الطلب على الذهب كتحوط ضد عدم اليقين. لكن في المقابل، فإن ارتفاع الدولار الأمريكي واستمرار صعود عائدات السندات قد يشكلان عقبة أمام أي اندفاع جديد نحو مستويات قياسية جديدة.
وبالنسبة لي التوقعات قصيرة الأجل تشير إلى إمكانية استمرار التقلبات في أسعار الذهب، حيث سيظل المستثمرون يراقبون البيانات الاقتصادية الأمريكية، بما في ذلك بيانات فرص العمل ودوران العمالة (JOLTS) وطلبيات المصانع. وأي إشارات على تباطؤ اقتصادي أو ارتفاع في الضغوط التضخمية قد تدفع الذهب نحو تحقيق مكاسب جديدة، بينما قد تؤدي بيانات إيجابية عن النمو الاقتصادي إلى الحد من ارتفاعه.
وبشكل عام، لا يزال الاتجاه الصعودي للذهب قائمًا رغم العوائق التي تواجهه. ويمكننا توقع استمرار الارتفاع و أن أي تراجع تصحيحي هو فرصة للشراء، مستندين إلى العوامل الداعمة التي لم تتغير بشكل جوهري. وفي المقابل، فإن الاتجاه الهبوطي من وجهة نظري يتطلب إشارات أكثر وضوحًا على تراجع الطلب على الملاذات الآمنة، سواء من خلال استقرار السياسات التجارية أو تباطؤ التضخم. ومع بقاء الأسواق في حالة عدم يقين، يبدو أن الذهب سيظل محط اهتمام للمستثمرين، سواء كأداة للتحوط أو كفرصة استثمارية في ظل استمرار التقلبات الاقتصادية.
