كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com- منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
في ظل التقلبات الحادة التي شهدها سوق العملات العالمية خلال الأيام الأخيرة، يبرز الين الياباني كأحد أهم الأصول التي جذبت انتباه الأسواق. بعدما تراجع الين عن أعلى مستوياته في شهرين مقابل الدولار الأمريكي ليتداول اليوم الجمعة بالقرب من الدعم المهم عند 151.00، وهو ما يعكس حالة من التوتر بين العوامل الاقتصادية الكلية والتوقعات السياسية والمالية التي تؤثر على العملة اليابانية. ومع استمرار المخاطر الجيوسياسية وضغوط السياسات النقدية المتباينة بين بنك اليابان وبنك الاحتياطي الفيدرالي، يبدو لي أن الين يواجه تحديات متعددة تجعل مساره غير واضح المعالم في المدى القريب.
ومن الواضح أن المزاج العام للسوق قد انقلب نحو “الرغبة في المخاطرة”، وهو ما أدى إلى ضعف جاذبية الين كملاذ آمن. وهذا التحول يعزى بشكل رئيسي إلى تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة واليابان، حيث باتت هناك مخاوف من أن اليابان قد تكون هدفًا محتملًا لرسوم جمركية جديدة فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وهذه السياسات لا تهدد فقط العلاقات التجارية الثنائية، بل تضعف أيضًا ثقة المستثمرين في الين كأداة استثمارية آمنة في أوقات الضبابية الاقتصادية. كما أن، تعافي الدولار الأمريكي من أدنى مستوياته في أكثر من أسبوع جاء ليضيف ضغطًا إضافيًا على الين، مما دفع زوج الدولار/الين للارتفاع فوق مستوى 153.00 خلال الأيام الماضية.
ومن وجهة نظري، فإن أي انخفاض حاد في قيمة الين يبدو غير مرجح في الوقت الحالي بسبب التوقعات المتزايدة بأن بنك اليابان سيواصل تشديد سياسته النقدية. خاصة بعد البيانات الصادرة يوم الأربعاء، والتي أظهرت ارتفاع الأجور الحقيقية في اليابان، والتي عززت هذه التوقعات وأعطت دعمًا إضافيًا للعملة اليابانية.
كما أن وزير المالية الياباني كاتسونوبو كاتو أكد بدوره استمرار الظروف التضخمية، مشيرًا إلى أن الأسعار لا تزال في ارتفاع، على الرغم من أن نهاية الانكماش لم تتحقق بعد. وهذه التصريحات، إلى جانب دعوة عضو مجلس إدارة بنك اليابان تامورا ناوكي لتسريع وتيرة رفع أسعار الفائدة، تعكس موقفًا متشدداً من البنك المركزي الياباني تجاه السياسة النقدية. والسوق يتوقع الآن بنسبة كبيرة أن يتم رفع أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في اجتماع سبتمبر، وهو ما قد يساعد في دعم الين أمام العملات الرئيسية الأخرى.
من جهة أخرى، يبدو لي أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يسير في اتجاه مختلف تمامًا. خاصة مع ظهور مؤشرات على تباطؤ سوق العمل الأمريكي، حيث بدأت الأسواق تضع في الحسبان احتمال خفض أسعار الفائدة مرتين قبل نهاية العام الجاري. حيث أظهرت بيانات فرص العمل (JOLTs) انخفاض عدد الوظائف المتاحة، بالإضافة إلى تراجع مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات، وهذه كلها عوامل تشير إلى ضعف النشاط الاقتصادي الأمريكي. كما أعتقد أن هذا التباين في السياسات النقدية بين اليابان والولايات المتحدة قد يؤدي إلى تضييق الفارق في أسعار الفائدة، مما يمنح الين ميزة تنافسية على الرغم من طبيعته كعملة ذات عائد منخفض.
وتركز الأسواق اليوم على البيانات الاقتصادية القادمة من الولايات المتحدة، خاصة تقرير الوظائف غير الزراعية(NFP) الذي من المتوقع أن يكون له تأثير كبير على حركة الدولار الأمريكي. فإذا جاءت البيانات أضعف من التوقعات، فقد نشهد المزيد من الضغوط الهبوطية على الدولار، مما قد يفتح المجال أمام الين لتحقيق بعض المكاسب. لكن حتى ذلك الحين، يبقى الين عرضة للتقلبات المرتبطة بالتطورات الجيوسياسية وتحركات الأسواق العالمية.
وهنا، يمكنني القول إن الين الياباني يقف عند مفترق طرق، حيث تتداخل العوامل الاقتصادية والسياسية لتخلق بيئة معقدة وغير مستقرة. فبينما تدعم التوقعات برفع أسعار الفائدة الين، فإن المخاطر الجيوسياسية والمزاج العام للسوق يضعان حدودًا واضحة لقدرة العملة على تحقيق مكاسب كبيرة. وبالنسبة للمستثمرين، فإن المفتاح يكمن في مراقبة البيانات الاقتصادية القادمة من اليابان والولايات المتحدة، بالإضافة إلى أي تطورات سياسية قد تؤثر على العلاقة بين البلدين. وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن الين سيستمر في لعب دور حساس في أسواق العملات العالمية، مع احتمالات متباينة حول أدائه في المستقبل القريب.
التحليل الفني لـ الدولار/الين ( USDJPY ):
تُظهر حركة السعر على الرسم البياني للساعة استمرار الاتجاه الهابط بعد كسر مستوى الدعم المحوري عند 152.50-152.45، حيث تزامن هذا الكسر مع اختراق هبوطي للمتوسطات المتحركة البسيطة لـ 100 و200 يوم، مما عزز الزخم السلبي. كما أدى ذلك إلى تسارع التراجع دون مستوى 152.00، مما يشير إلى أن الضغوط البيعية لا تزال قائمة، مع احتمالية استمرار التراجع نحو مستوى الدعم المتوسط عند 151.50، والذي يمثل نقطة ارتكاز هامة قبل اختبار المستوى النفسي 151.00، ثم الدعم التاريخي الرئيسي عند 150.60.