كُتب بواسطة: رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
يواصل الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي (GBP/USD) التحرك حول مستوى 1.2400 وسط ضعف ملحوظ في الاتجاه الصعودي، مما يعكس حالة عدم اليقين السائدة في الأسواق. وبرأيي قوة الدولار الأمريكي المدعومة بالسياسات الحمائية المحتملة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى جانب التوقعات المتشائمة لبنك إنجلترا، تضع الزوج في موقف صعب وتدعم سيناريو الهبوط على المدى القصير إلى المتوسط. ومع ذلك، فإن التغيرات المستمرة في المشهد الاقتصادي والسياسي قد تؤدي إلى تحركات غير متوقعة، ما يستوجب من المستثمرين مراقبة المؤشرات الاقتصادية والتصريحات السياسية بحرص.
ومن وجهة نظري، أحد العوامل الرئيسية التي تعزز قوة الدولار الأمريكي هو التهديد بفرض تعريفات جمركية جديدة على الدول التي تفرض ضرائب على الواردات الأمريكية. فمثل هذه الإجراءات تعزز الطلب على الدولار باعتباره ملاذًا آمنًا، وهو ما يؤدي إلى الضغط على الجنيه الإسترليني. وفي المقابل، فإن بنك إنجلترا يبدو أكثر حذرًا في سياساته النقدية، حيث أشار محافظ البنك أندرو بيلي إلى أن تخفيضات إضافية في أسعار الفائدة قد تكون ضرورية، لكن القرار سيُتخذ بناءً على البيانات الاقتصادية المستقبلية. وهذا الحذر من قبل بنك إنجلترا يُضعف موقف الجنيه الإسترليني، خاصة مع تباطؤ النشاط الاقتصادي وسوق العمل، ما يعزز توقعات السوق بمزيد من التيسير النقدي.
فعلى الرغم من أن بيانات التوظيف الأمريكية الأخيرة جاءت أقل من التوقعات من حيث عدد الوظائف المضافة، إلا أن نمو الأجور القوي فاجأ الأسواق. حيث ارتفع متوسط الأجر بالساعة بوتيرة أسرع من المتوقع، مما يعكس استمرار الضغوط التضخمية في الولايات المتحدة. وهذه البيانات تدعم موقف الاحتياطي الفيدرالي في الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول، وهو ما يصب في صالح الدولار الأمريكي مقابل الجنيه الإسترليني. وجيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، أشار بوضوح إلى أن أي تعديلات في السياسة النقدية ستعتمد على تقدم حقيقي في احتواء التضخم أو ظهور ضعف في سوق العمل، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
وفي المقابل، يعاني الجنيه الإسترليني من ضغوط إضافية بعد قرار بنك إنجلترا خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى 4.5%، مع الإشارة إلى توقعات نمو ضعيفة. وهذه الخطوة لم تكن مفاجئة للأسواق، لكنها أثارت قلق المستثمرين عندما أيدت عضوة لجنة السياسة النقدية كاثرين مان، المعروفة بتوجهها المتشدد عادةً، خفضًا أكبر بمقدار 50 نقطة أساس. مثل هذه الخطوة تؤكد أن بنك إنجلترا يرى مخاطر كبيرة على الاقتصاد البريطاني، مما يعزز التوقعات بمزيد من التخفيضات في المستقبل ويضغط على الجنيه الإسترليني.
كما أعتقد، إن توقعات الناتج المحلي الإجمالي البريطاني إلى 0.75%، مقارنة بـ 1.5% التي كانت متوقعة في نوفمبر، تعكس ضعف الاقتصاد وتحدياته المستمرة. وهذا التباطؤ في النمو قد يدفع المستثمرين إلى التخلي عن الجنيه الإسترليني لصالح عملات أخرى ذات عوائد أعلى، مثل الدولار الأمريكي. ومع استمرار ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا، من المتوقع أن يشهد التضخم في المملكة المتحدة ارتفاعًا مؤقتًا إلى 3.7% خلال الربع الثالث، وهو ما قد يعقد موقف بنك إنجلترا أكثر ويزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق.
وفي ظل هذه العوامل المتداخلة، يبدو لي أن الاتجاه يميل لصالح الدببة في زوج الجنيه الإسترليني/الدولار الأمريكي، حيث تبقى التوقعات هبوطية طالما بقي السعر دون المتوسط المتحرك البسيط لـ 50 يومًا. والتحركات الحالية تشير إلى احتمالية اختبار مستوى 1.2300 في حال استمرار الزخم السلبي، في حين أن أي ارتداد نحو 1.2423 قد يواجه مقاومة قوية، مع احتمالية العودة للهبوط إذا لم تتغير المعطيات الأساسية الداعمة للدولار.
لذى أرى أنه لا يزال السوق يترقب بيانات مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي المقبلة، والتي قد توفر مزيدًا من الإشارات حول اتجاه السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. وفي حال جاءت هذه البيانات أعلى من التوقعات، فقد يكتسب الدولار مزيدًا من الزخم، ما يعزز فرص هبوط الجنيه الإسترليني أكثر. أما في حال تباطؤ التضخم، فقد يحصل الجنيه على بعض الدعم، لكن يبقى تأثيره محدودًا ما لم تتغير نبرة بنك إنجلترا تجاه سياسته النقدية. ومن هنا، فإن التداول على زوج الجنيه الإسترليني/الدولار الأمريكي يتطلب الحذر والمتابعة المستمرة لمستجدات الأسواق العالمية.