أصبح قطاع الاتصالات مشبعاً بالشركات، فيما المنتجات والخدمات لا تنفكّ تتزايد، ما يجعل العملاء أكثر تطلباً وأصعب إرضاءً. ومن المقدّر أن نحو ثلثي سكان العالم يستخدمون الأجهزة المحمولة، وبالتالي فإن البيانات بدورها تتزايد بطريقة أسية، وتتزايد شبكات الاتصالات حجماً وتعقيداً، بيد أن أرباح مقدمي خدمات الاتصالات لا تنمو بالوتيرة نفسها، فما الذي يمكن أن تفعله شركة الاتصالات من أجل الصمود في وجه المنافسة القوية والمحافظة على الزخم وكسب عملاء جدد.
لقد بات استهلاك البيانات اليوم في عالم الاتصالات يتغلب بسرعة على استهلاك الصوت، وأصبح الهاتف الذكي الأداة الرئيسية لتجميع الأخبار وأنشطة الترفيه وخلق فرصة فريدة أمام شركات الاتصالات للاستفادة من جميع المسارات الرقمية التي يتركها المستخدمون وراءهم. ويمكن استخدام الحجم الهائل من البيانات التي يتم جمعها من عملاء شركات الاتصالات من أجل تحسين أداء الشبكة وإثراء تجربة هؤلاء العملاء، كما يمكن لمقدمي خدمات الاتصالات اللجوء إلى تحليلات البيانات بدقة للتعرف على احتياجات العملاء وتوقعاتهم، وتوسيع محفظة الخدمات المقدمة لهم، واتخاذ قرارات أكثر ذكاء بشأن شبكاتهم المعقدة وتوجيه عمليات التخطيط للسعات الشبكية، من أجل الوصول إلى خلاصة القول هنا، وهي “خلق تجربة عملاء متفوقة”.
شركات الاتصالات في عالم المعلومات والترفيه
أصبحت عملية تحويل المنتجات إلى سلع قيّمة مشكلة كبيرة تواجهها شركات الاتصالات؛ فكم مجموعة من العروض يمكن تقديمها وإلى أي مدىً يمكن خفض الأسعار مع الإبقاء على ربحية الأعمال التجارية؟ إن إيجاد عروض بيع فريدة يعتبر أمراً صعباً بعد أن يتم الترتيب أصلاً لجميع الأمور وتبدو عندها جميع منتجات الاتصالات متشابهة، لذا فالسعر المنخفض لم يعد يُحدث فرقاً، وعليه فإن الشركات تحاول توسيع خدماتها لتحسين مستويات التفاعل مع العملاء.
ويقول علاء يوسف، المدير التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط لدى شركة “ساس”، إحدى أبرز الشركات العاملة في مجال تحليلات البيانات للأعمال التجارية، إن استهلاك منتجات الاتصالات “شهد تغيّراً جذرياً في ظلّ رقمنة الخدمات، ما أدى إلى ارتفاع مستويات رضا العملاء”، لافتاً إلى أن شركات الاتصالات بدأت في تطبيق التحليلات على الأحجام الهائلة من البيانات التي لديها، من أجل تعديل خدماتها ومنتجاتها بما يتناسب مع احتياجات العملاء، واكتساب رؤى العملاء وتحسين عمليات صنع القرار، وأضاف: “من شأن التحليلات المتقدمة للبيانات أن تُفسح المجال أمام شركات الاتصالات لإطلاق العنان لقيمة مؤسسية جديدة، وتحسين علاقات العملاء في كل نقطة من نقاط التواصل معهم، فضلاً عن تمكينها من تقديم الخدمات والمنتجات استباقياً، مثل خدمات بث الفيديو والصوت أو تقديم باقات إنترنت غير محدودة إلى المشتركين المترددين، والذين هم الأكثر احتمالاً للإقدام على الشراء أو إظهار الاهتمام والتجاوب مع تلك العروض”.
وتشهد أعداد التطبيقات المعنية بالمعلومات والترفيه زيادة ملحوظة، في وقت يرغب مستخدمو الأجهزة المحمولة بتوسيع نطاق الاستفادة من مختلف الأجهزة الرقمية التي لديهم، فهم يفضلون، على سبيل المثال، البدء في مشاهدة حلقة المسلسل التلفزيوني المفضلة على الهاتف الذكي أثناء العودة من العمل وإكمال مشاهدتها عند الوصول إلى المنزل باستخدام التطبيق نفسه ولكن على شاشة التلفزيون الذكي.
إن قطاع الاتصالات يتألف من أنواع متعددة من الشركات تشمل شركات البث عبر الأقمار الاصطناعية، وشركات الإنترنت، ومصنعي الهواتف المحمولة، وصولاً إلى مقدمي خدمات تلفزيون الكوابل، وجميعها تقدّم باقات مماثلة من الخدمات والمنتجات. وإذا ما أراد مقدمو خدمات الاتصالات أن يميزوا أنفسهم وسط جموع الشركات والأعمال التجارية، ويربطوا أسماءهم وعلاماتهم التجارية بالابتكار والحداثة، فإنهم سيكونون بحاجة إلى تحليلات البيانات لاتخاذ قرارات أفضل بشأن الاتجاه الذي يُفترض أن تسير فيه أعمالهم التجارية. وتكتسب تجربة العملاء في عالم بات يتمحور حول اهتماماتهم، أهمية متزايدة، ما يجعل ضمان ولاء العملاء تحدياً بارزاً. كذلك تصبح جودة الخدمة أحد أهم مؤشرات الأداء الرئيسية، سواء تم الأخذ بالاعتبار جودة الشبكة أو رعاية العملاء أو جودة المحتوى.
الاستفادة من تحليلات البيانات
من شأن تطبيق التحليلات على حجم ضخم من البيانات أن يساعد مشغلي الاتصالات على الوصول إلى أفكار ورؤىً دقيقة في الوقت المناسب تتيح فهم احتياجات عملائهم وطريقة عمل شبكاتهم وتنفيذ عملياتهم، من أجل تحسين عملية صنع القرار. وتلجأ الشركات إلى التحليلات لزيادة المبيعات وتنمية الإيرادات وتقليل تكاليف التشغيل، وتحليل مدى ولاء العملاء ورضاهم، والحد من محاولات التزوير والاحتيال، فضلاً عن تحسين إدارة المخاطر. وتتيح التحليلات، من جانب آخر، فهماً أعمق لاحتياجات العملاء وسلوكهم ومسيرتهم عبر قنوات الاتصالات، علاوة على تفضيلاتهم وتوجهاتهم في استهلاك المحتوى.
ويمكن للشركات استخدام تلك الأفكار والرؤى المتعمقة لتنشيط التفاعل وتحسين قنوات التسوّق وإعداد خدمات متميزة ذات قيمة عالية. بيد أن الأكثر أهمية هنا يكمن في أن بالإمكان حدوث ذلك كله فوراً ولحظة بلحظة، مع الاستفادة من البيئة والظروف المحيطة بالعميل، الأمر الذي يؤدي إلى اتخاذ الإجراء الصحيح في المكان المناسب وفي الوقت المناسب. وتقدّم تحليلات البيانات كذلك رؤىً متعمقة بشأن الحاجة إلى إجراء ترقيات في العمليات الداخلية والعمليات الأساسية والبنية التحتية، إذ تسمح بتقدير حجم الطلب على الشبكة، والتنبؤ بانقطاعات الخدمة قبل حدوثها، وتحسين الأداء، وتوجيه التخطيط الدقيق للسعات الشبكية حفاظاً على مستويات عالية من إتاحة الخدمة. ويمكن القول إن تحليلات البيانات تتيح المجال أمام مشغلي الاتصالات لتطوير خدمات إبداعية مبتكرة وتنويع مصادر الدخل.
وماذا بعد؟
إن الأعمال التجارية في شركات الاتصالات تشهد تطوّراً دائماً ومتواصلاً. ومن المنتظر أن تُحدث شبكات الجيل الخامس 5G فرصاً واعدة لشركات الاتصالات، إذ يُتوقع لهذه الشبكات الأسرع والأعلى كفاءة أن تضمن مستويات غير معتادة من الاستقرار وفترات كُمون أقلّ بكثير لتسريع الاستجابة. ونتيجة لتسارع نقل البيانات، من المتوقع أن ينمو الطلب على خدمات المعلومات والترفيه الإضافية، وبالتالي ستكون الشركات متعددة الاختصاصات التي تقدّم باقات خدمات متنوعة في وضعية تميزها عن غيرها. وهنا، يتوقع خبراء “ساس” أن تشهد السنوات المقبلة توحيداً لجهود منتجي حلول البنية التحتية للاتصالات، بتوجّه نحو توسيع محفظة عروضهم من الخدمات.
ونظراً لأن وظيفة الهواتف المحمولة لم تعد تقتصر على إجراء مكالمات هاتفية، تُصبح باقة بيانات الإنترنت تتمتع بأهمية مماثلة لأهمية باقة الرسائل النصية القصيرة والمكالمات الصوتية. وستؤدي زيادة استهلاك المحتوى من مقدمي خدمات الفيديو عند الطلب وبوابات البث إلى زيادة استخدام الإنترنت على نطاق واسع. كما ستتيح تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي مزيداً من الأتمتة والتلقائية في خدمة العملاء، وإتاحة محتوى معدّل وفق احتياجات العميل وبطريقة مستقلة تماماً. وستكون كل هذه العمليات بحاجة إلى دعم من فرق تحليلات البيانات. كما ينبغي معالجة المعلومات القادمة من بيئة معلوماتية ترفيهية هائلة وتحليلها بُغية ابتكار منتجات قيّمة للعملاء والتأسيس لبناء علاقة طويلة الأمد تجمعهم بالعلامة التجارية. ويلزم كذلك معالجة المعلومات الواردة من الشبكة، معالجة لحظية، من أجل تحديد الأولويات في الأصول المتاحة وضمان تجربة فائقة للعملاء.